Commentary :: طرح

Font:

وفي تلك الأيام جاء يسوع من الناصرة إلى اليهودية، ورأت الجموع مجده في الأردن.

إذ كان يقول السابق المعمد للشعب: "هذا بالحقيقة حمل الله الذي يحمل خطايا العالم."

وأتى الحمل الغافر الخطايا إلى الأردن ليعتمد من يوحنا مثل بقية الآتين إليه.

فامتنع يوحنا قائلاً: "إنِّي أنا المحتاج أن آتي إليك، وأنت أتيت إليَّ."

فأجاب ربنا يسوع المسيح قائلاً له: "لماذا تمنعني يا يوحنا؟ إرادة أبي والروح القدس ومحبتي للبشر أتوا بي إلى الميلاد، ودعوني أيضاً إلى أن أنزل إلى العماد. وقوتي العظيمة هي التي جذبتني وصيرتني طفلاً. وهي أيضاً جذبتني لأنزل وأعتمد منك. فلم يضرني حضن المعمودية أكثر من ضيق البطن. ولم تظلم عليَّ مياه الأردن أكثر من الجوف. إن كنت تظن أنك تكرمني بإمتناعك عن عمادك لي، فكان ينبغي لك أن تمنعني عن الحمل والميلاد. أيهما أحقر موضع ضيق البطن في الجسد أم عظمة المعمودية؟ إن كنت قدرت أن تمنعني عن أن ألتف بالقماط، فامنعني عن العماد. إن كنت قدرت أن تمنعني عن مص الحليب البسيط (الحقير)، فامنعني عن النزول إلى الينبوع. لو كنت تقدر أن تمنعني عن الحلول في بطن مريم العذراء، لكنت أيضاً تقدر أن تمنعني من حضن المعمودية. والآن سرت وأتيت في طريق الميلاد لكي اُكملها. فكيف يمكن أن أرجع عنها؟ فلهذا يليق بي كما إني اُرسلت من عند أبي أن اُكمل طريق البر."

ولما فرغ السيد من كلامه ليوحنا، إرتعب هذا من إبن الملك وسجد له واعترف برهبة وتضرع قائلاً: "أنا أطلب إليك يا سيدي لأني لا أستطيع أن أتقدم إليك. وضعيفة هي الحلفاء عن أن تمس اللهيب. إذ كيف يقدر القش الضعيف أن يمسك بلهيب النار أو الشعلة أن تقرب من الجمرة؟! وكيف أضع يدي على رأسك واُعمدك بالماء يا مُعمِّد الكل؟"

حينئذ أجاب السيد قائلاً له: "كُفَّ يا يوحنا عن السؤال وكُن هاديء البال ولا تقل شيئاً عندما تًعمِّدني. تعال وضع يدك فقط على رأسي فالآب يُقِرَّ هذا من أجل إبنه. فتعال أنت إليَّ وابسط يدك على العبرية، وبغير كلامك يشهد الروح عليَّ بالحق."

حينئذ تقدم يوحنا ووضع يده على رأس اللهيب وصفوف الملائكة واقفون مندهشون بالرعب العظيم والقوات مبهوتون بما كان هناك من الحيرة والدهشة. لأن يد اللحم لم تحترق باللهيب الذي حجب السِّرافيم وجوههم من شدته، وفوق رأس الخالق وضع يوحنا يده اللبنيه الغارقة في الطين، "فأمسكت بسيدها ولمست رأسه دون أن تذوب،" قول مدهش يستحي منه النورانيون، ومَنْ عاين عين إبن العاقر نزل يُعمِّد غير المرئي من الملائكة ومحمولاً على الكاروبيم، ومستوراً من الصفوف، ممجداً من الكراسي، مخوفاً مهيباً من كل المراتب. تاركاً أوهام جميع الأجناس حائرة، والقوات راهبة، والكراديس فازعة، والأبواب راعدة، واللهيب قائم ناحية الترعاب ونزل يتعمد من يد التُراب وجبلة يديه.

ولمـا إعتمد مخلصنا من يد يوحنا إنشقت له السموات، وصرخ الآب على حبيبه. قامت الروح البهية تشهد على الوحيد، وخرج الصوت من قيطون المملكة إذ تحركت الكلمة الخفية بغير فم لتشهد على حقيقة اللاهوت ورَعَدَ الصوت من السماء من غير لسان متجسم على حبيبه المتجسد. ولم يتكلم في ذلك الوقت بلسان ملك أو يبشر بفم روحاني بل تكلم مع أزليته عن إبن سرَّه، لما صعد من الماء قائلاً "هذا هو إبني الحبيب الذي به سُررت، فاسمعوا له."

والسبح لله دائماً. آمين.