And What Then :: وماذا بعد هذا

Font:

سأهدم في المخازن ثم أبني، وأجمع فضتي وأضم تبري.
وأغرس لي فراديساً كباراً، بأثمار وأطيار وزهرِ.
وأقطف وردة من كل غصن، وأطرب مَسمعي من كل طيرِ.
وأسعد بالحياة ومشتهاها، وأنعم في رفاهية وخيرِ.
وأبني معبداً للمال ضخماً، أقدم فيه قرباني وشكري.
وماذا بعد هذا ليت شِعري، سألقي الموت مهما طال عمري.
وهذا المال يا ويْحي عليه، سأترك كل أموالي لغيري.
وأفنى مثل مسكين فقير، وأرقد مثله في جوف قبرِ.
ونسمة قبرة ستهب حولي، ولا تفريق بين غنى وفقرِ.

سأسكن في قصور شاهقات، وأحيا مثلما تشتاق نفسي.
وأرقى مثلما أبغي وأعلو، وتشرق في سماء المجد شمسي.
أسير فتشخص الأبصار نحوي، وأحسب كل تاج فوق رأسي.
وتحني هامها الدنيا خضوعاً، ويحتفل الوجود بيوم عُرسي.
وتهتف كل حنجرة بإسمي، وأصبح وسط تمجيد وأُمسي.
وأملأ ساحة الدنيا غروراً، وأُهمل كل ترتيل وقُدسِ.
وماذا بعد هذا ليت شِعري، سيجري ضائعاً يومي كأمسي.
وأفنى مثل صعلوك حقير، وأرقد مثله في جوف رمسِ.
ونسمة قبره ستهب حولي، ولا تفريق في مجد وبؤسِ.

سأقضي العمر في جد وكد، وأجلس فوق عرش العِلِم وحدي.
وأصبح مرجعاً في كل فن، وأبني من جلال العِلِم مجدي.
وأغدو قبلة في كل ناد، ولا ألقي على الأيام نِدِّي.
يسير أعاظم العلماء خلفي، ويأتي ذكرهم في المدح بعدي.
وترفع دولة الأبحاث قدري، وتخشى دولة الأقلام نقدي.
وأُبدي الرأيْ في ثقة بعلمي، فترتج المجامع حين أُبدي.
وماذا بعد هذا ليت شِعري، أحقاً ثروَة الأفكار تجدي.
سأفنى مثلما يفنى جهول، وأرقد مثله في جوف لحدِ.
ونسمة قبره ستهب حتماً، تماماً مثلما ستهب عندي.

سأقضي العمر في لَهو الشباب، وأختار الطروب من الصحابِ.
وأترك كل نبع للمسيح، وأجري مسرعاً خلف السرابِ.
وأصطحب المُجون طول عمري، وأفخر بالمُجون وبإصطحابي.
وأنفق كل يومي في الملاهي، وأسقط بيت ربي من حسابي.
وأطرب بالأغاني عابِثات، وأسعد بالكؤوس والشرابِ.
وأشبع مهجتي من كل طيش، وأرفض كل نُصح أو عتابِ.
وماذا بعد هذا ليت شِعر، سوى ذُل وفقر وإضطرابِ.
وأفنى مثلما يفنى عفيف، وأرقد مثله تحت الترابِ.
ونسمة قبره ستهب حولي، تمجده وتسخر من شبابي.

فماذا نلت من علمي ومالي، وماذا نلت ويحي من ضلالي.
وماذا نلت من مجد كذوب، تَبَدَّى مثل قصر من رمالِ.
وما جِدوَى حياة سوف تفنى، وقد أيقنت من سوء المآلِ.
وهل في المال عمر بعد موت، وهل جاهي سيمنع من زوالي.
ضلال كله لا خير فيه، وإثم ليس فيه من حلالِ.
فوامجداً لسكان البراري، ووافخرا لقس في القلالي.
ويا طوباه من يحيا غريباً، عن الدنيا وعن صحب وآلِ.
فلا يهتم إن جاءت وولَّت، ولا يُصغي إلى قيل وقالِ.
ويحيا مثل ضيف ليس يبني، قصوراً غير بيت في الأعالي.